إسقاط النظام سوف يساعد الأخوة في الشمال بالتغيير والتحرير في الجنوب وقضيتنا في الجنوب قضيه وطن وهوية واستعاده دوله .

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

مـؤتمر للمصالحة وحــوار جـنـوبي – أولاً -

مـؤتمر للمصالحة وحــوار جـنـوبي – أولاً -
 التاريخ : الاحد/25/11/2012م
   ملف الكاتب



بقلم / صالح شائف


   

--------------------------------------------------------------------------------


  مقالات سابقة 
مـؤتمر للمصالحة وحــوار جـنـوبي – أولاً -
ايها الجنوبييون للحوار قواعد .. وللإختلافات (إدارة)

   
 

 أود هنا أن انوه بداية ومنعاً لأي لبس أو سوء فهم أو أي شكل من أشكال الغموض قد يصل عند البعض إلى الدرجة التي تختلط فيه الأوراق لديهم، أو يحصل تشويهاً للمقصد وتشويشاً على المفاهيم من وراء الدعوه إلى مؤتمر للمصالحه والحوار الجنوبي- الجنوبي الذي ندعو إليه هنا وبوضوح وصدق، وبدافعٍ عميق من الشعور بالمسئوليه المصحوبة بالقلق على مستقبل العمل الوطني الجنوبي الممتد على طول وعرض الساحة الجنوبية، وبكل ما تعنيه هذه الكلمة من مضمون، فإنني أضع النقاط على الحروف عبر البنودالتالية:-
أولا:-
 إن قطار التصالح والتسامح الجنوبي - الجنوبي الذي أنطلقت حركته بهدوء وثقة من جمعية ردفان بعدن يوم 13 يناير 2006 م مازال متحركاً على سكته ولم يصل بعد إلى محطته الأخيره المبتغاه، ومازالت عرباته تنتظر في طريقها صعود المزيد من الركاب حتى تمتلئ مقاعدها الخالية ويكتمل بهم العدد المطلوب الذي لا يحتاج فيه القطار بعد ذلك للتوقف بين حين وآخر، ولا تشجع ظروف حركته المريحة بأن يفكر احداً بعد ذلك بالنزول إلا عند نقطة النهاية التي أختارها الجميع حينما صعدوا قطارهم هذا وبكامل عددهم، ويواصلون رحلتهم بعد ذلك وهم متحدون نحو محطة اخرى مازالت في إنتظارهم على الطريق الطويل الذي حددوه معاً لأنفسهم، وهذا ما لم يتحقق بعد وبالصورة التي أرادها من أطلقوا صافرة التحرك وعلى ذلك النحو الذي يمنحهم شرف السبق ويحتفظ لهم بأحقية الرياده في هذا المضمار..
 
ثانياً:-
 
 لابد من الإعتراف بأن هذه الخطوة هي أولاً وأخيراً حركة جنوبية خالصة وبمضمون سياسي وأخلاقي وبأبعاد وطنية لا ينبغي تجاهلها أو التقليل من شأنها مهما كانت الملاحظات المتعلقة بكيفية التحضير لها، أو بطريقة إعلانها ووضع مسار تحركها اللاحق، أو بطبيعة القوى التي أستجابت وأنخرطت طوعاً ووعياً في أنشطتها المختلفة – مع أنه لم يتم التطرق أو الإتفاق على الأسس المادية والحقوقية والإعتبارية لهذه العملية التاريخية، الضامنة لتحقيق العدل والتسوية الشاملة، إعتماداً في ذلك على وثيقة وآليات قانونية خاصة بها، تحقق الغايات الوطنية والإنسانية النبيلة المطلوبة – وهي المهمة التي ينبغي أن يتصدى لها وينجزها المؤتمر الذي ندعو إليه وبمسئولية وطنية رفيعة.
ثالثاً:-
 مثلت هذه الحركه وبكل تأكيد التي أطلق عليها حركة التصالح والتسامح، قاعدة وطنية جنوبيه لإنطلاق الحراك الجنوبي ومهدت له التربة الخصبة والبيئة المناسبة للنهوض والتحرك الشعبي اللاحق والكثير من أسباب التواصل المجتمعي والنجاح في مهمته النضاليه التي دشنت بالإنطلاقة الكبرى يوم 7/7/2007م..
رابعاً:-
  لم يقتصر التحضير لهذه الحركة التي أنطلقت من جمعية أبناء ردفان وفي ذلك اليوم تحديداً، وهو 13 يناير 2006م على لون سياسي واحد فقط وهو ما قد يوحي به هذا التاريخ من معنى في مجرى الصراعات التي عاشتها منظومة الحكم في فترة ما بعد الإستقلال، رغم الأهمية الكبرى لذلك بل ولضرورة أن تحتل المكانة الأكبر والأولوية المطلقة لمعالجة الآثار المترتبة عليها لما لها من طابع وطني عام ومجتمعي واسع الإمتداد، بل شاركت كذلك قوى وأحزاب وشخصيات وطنية وإجتماعية مستقله في هذه العملية وبالظروف التي سمحت بها عوامل الزمان والمكان وبطبيعة التحرك التي تصاحب أية بدايه على طريقٍ طويل، حيث تبدأ صغيرة بالضرورة وتكبر وهي ماضية نحو غايتها، وتكتمل حلقاتها في نهاية المطاف عندما تشمل وتستوعب كل من لازال خارج نطاقها ولأسباب وظروف مختلفة مهما كانت نسبتهم، وهذا ما ينبغي أن يطلع به المؤتمر الذي ننشده..
خامساً:-
 إن ما حصل اثناء حرب 94 العدوانية الظالمة على الجنوب من إصطفاف جنوبي واسع وتوج بتشكيل هيئات الدولة المعلنة في 21 مايو من نفس العام والتي شملت مجلس الرئاسه والمجلس الوطني ومجلس الوزراء، قد كان تجسيداً للحكم الأئتلافي الواسع بين مختلف القوى الجنوبية التي رفضت وتصدت للحرب, بل وكان ذلك نوعاً من المصالحة الوطنية- التاريخية الجنوبية وبصيغة عملية مباشرة وملموسة على الأرض، تمكن فيها الجنوبيين من إثبات قدرتهم على التوحد وفي أصعب الظروف، بل وانتقل الأمر بعد ذلك إلى تجربة وصيغة أخرى للإصطفاف الوطني الجنوبي وعلى هيئة تحالف جبهوي أوسع، تمثل بالإعلان عن الجبهة الوطنية للمعارضه بالخارج (موج) وبعد أقل من ثلاثة أشهر على وقوع الجنوب تحت ( الإحتلال الوحدوي) وتحديداً في 30 سبتمبر 1994م في لندن وبرئاسة الأستاذ عبدالرحمن الجفري، وأستمرت في أداء دورها المتعدد الأوجه لسنوات عدة قبل أن يتم تجميد نشاطها بعد ذلك دون الإعلان عن حلها رسمياً،- حسب علمي على الأقل- وهذا موضوع آخر وجدير بالأهتمام والبحث عن الأسباب والظروف التي أدت إلى ذلك ولكن ليس مجالها هنا، وبغض النظر عن عيوب أو نواقص قد تكون حصلت في التجربتين( الحكم والمعارضة) – إن جاز لنا هذا التعبير -  بهذا القدر أو ذاك، بقصد أو بدون قصد، ولكنها مع ذلك كانت مؤشراً على أن ما يجمع الجنوبيين ويوحدهم هو أكثر بكثير مما يفرقهم، إذا ما أصغوا لبعضهم البعض جيداً وبعقول مفتوحه وبثقة متبادله، وعلى هذا الأساس فإن الدعوة لمؤتمر جنوبي – جنوبي للمصالحة والحوار، لم ولن تأتي من فراغ ولن تكون ذاهبة إلى المجهول، بل ملبيةً لتطلعات شعبنا وأمانيه في الخلاص والحرية، ومنسجمة مع هذه الخلفية والتجربة القريبة الحية والماثلة أمامنا اليوم، والتي ندعو الجميع وبإخلاص وطني صادق للتوقف عندها ودراستها بعمق ومسئوليه وإستخلاص الدروس اللازمة منها، سلباً وإيجاباً, بإعتبارها ملكاً لكل الجنوبيين، وبما يساعد ويجعل من الدعوة لإنعقاد مثل هذا المؤتمر أمراً واقعاً وقابل للتحقق وبسهولة ويسر وبأقل مشقة يمكن أن تجابهنا في طريق التحضير والتهيئة المطلوبة لنجاحه، بعد أن يكون الجميع قد أستوعب وظيفته الوطنية واقتنع بها وقدر بوعي وإدراك النتائج الإيجابية التي يمكن التوصل إليها وبالمقياس الوطني العام، لا بالحسابات الآنية والضيقة الصغيرة التي يمكن للجميع تجاوزها أو إيجاد الحلول والمعالجات المناسبة لها لاحقاً وفي ضوء التطبيق العملي لتلك النتائج التي لا ينبغي أن يكون فيها ظلماً أو تهميشاَ أو تجاهلاً لأحد، ولا لمكانة ودور هذا الطرف أو ذاك مهما كان حجم تواجده على الساحة الوطنية الجنوبية، فالشراكة الوطنية تعني فيما تعنيه المسئولية المشتركة للجميع في تحمل أعباء هذه اللحظة التاريخية الحساسة والخطيرة، وبالتالي فإن الكل معنيون وعلى قدم المساواة في التصدي لمهام وتعقيدات هذه المرحلة، ولا مجال فيها لتوزيعهم على درجات وأحجام إلا بالقدر الذي يقدمون به أنفسهم على ساحة الفعل وبما يناط بهم من أدوار وبمستوى نجاحهم في تأديتها وبصورة خلاقه، تتناغم بالضرورة مع دور وأداء بقية القوى والأطراف الوطنية وفي إطار الخط الوطني العام المتفق عليه بين الجميع، ومع التسليم بصعوبة الوصول إلى هذه الحالة المثاليه، إلا أن نسبة النجاح ستكون كبيرة عندما يستشعر الجميع بالمسئوليه ويسود الفهم والتفاهم دون إستحضار للقلق غير المبرر أو الشك بالأخر دون دليل.. وقد اقترحت صيغة شاملة للحوار وآلية واضحة ومبسطة  لنجاح مثل هذا المؤتمر في موضوع سابق تم نشره في نهاية أكتوبر الماضي.
 
كثرة في الرؤى... وتعدد للكيانات.
 
 لقد شهدت الفترة الماضية التي تلت إنطلاقة الحراك الشعبي الجنوبي في عام 2007 كماً هائلاً من الرؤى والمبادرات والأطروحات والبرامج السياسية، التي تقدم بها أصحابها ومن مختلف الأتجاهات إلى الساحة السياسية وبطرق وأشكال متعددة وبصورة مستمرة لم تتوقف حتى الأن إلى درجة يصعب فهمها وملاحقتها لكثرتها من ناحية ولتشابهها من ناحية أخرى، بل وتماثلها في كثير من الأحيان
ولا يستطيع معها المتتبع التعرف عليها أو التمييز فيما بينها إلا من خلال الديباجات أو أسم الجهة الصادرة عنها والتي عادة ما يوضع في نهاية كلاً منها، وأحيانا بأسماء لأشخاص بمفردهم وبصفتهم الشخصية فقط لا غير، وبكل تأكيد فإن حالة كهذه تستحق التوقف عندها ولو من باب الفرز فيما بينها وتشخيص النتائج المترتبة عنها على صعيد الواقع السياسي والوطني مهما كانت محدودة الفعل وقليلة التأثير، أو سطحية المضمون وعمومية الأهداف في مقاصد كلاً منها، أياً كان من يقف خلفها أو تعبر عنه بصفة علنية أو مغلفة وبغض النظر إن كانت تحمل توقيع جهة أو تيار أو فصيل سياسي ما أو أشخاص ( مستقلون ) لأن من شأن ذلك إن يمنحنا مصباحاً إضافياً في عملية تسليط الضوء على مضامينها وأهدافها، ونحن نخضعها لعملية التحليل والإستنتاج وبصورة عناوين مركزه لا أكثر ولا أقل، وبالتالي معرفة حجم التقارب الذي قد يصل إلى درجة التمازج أو التباعد الذي يستحيل معه أن تتقارب ولو بصفة  جزئية..
 
ولا شك أن لكل ذلك علاقة وثيقة بطبيعة المرحله التي تشهدها اليمن عموماً وساحة الجنوب على وجهٍ أخص والتي تتسم بقدر كبير من الأضطراب والإرباك الشامل الذي يصل إلى حد الفوضى في بعض تجلياته، ويجعل الأرض غير ثابته تحت أقدام اللاعبيين في الميدان السياسي، وبما يؤدي بالبعض إلى فقدان توازنه الطبيعي ولو بصفة مؤقته ويدفع به ذلك إلى التصرف مع الأخرين تحت تأثير هذه الحالة غير السوية وقد يرتكب حينها حماقات مختلفة قد لا تضر بمن كان يقصدهم، بل وقد تلحق الضرر بآخريين هم في عداد حلفائه، بل وبنفسه كذلك, ونستطيع أن نستخلص من هذه الكثرة العدديه في الرؤى والبرامج والأطروحات والمبادرات السياسية الأمور التالية:-
 
 1-إنها تعكس وإلى حد بعيد الرغبة الشديدة في التميز والتمايز عن الآخر، حتى وإن كان ذلك شكلياً ولا يسنده أي جوهر يحقق مثل هذه الرغبة عند أصحابها، أو يمنحهم القدرة الكافية على فعل ذلك ووفقاً لما تستند عليه وتشترطه مقايس التميز والتمايز السياسي القائم على قواعد واضحة وأسس ثابتة مبدئياً تستمدها من الواقع ويعترف المجتمع بحضورها الفاعل في حياته .
 
2- إنها تعبر وعلى نحو جلي عن حالة غير مسبوقة من التعدد في البنى التنظيمية غير المكتملة والمشوهة والفاقدة للهيكلية الهرمية المنضبطه والمحدودة الإتساع جغرافياً كذلك ، حتى وإن كان لها من يتبعها أو يناصرها هنا وهناك في خارج إطارها الذي لا يشمل بمظلته وتواجده كل ساحة الجنوب، ونحصر ثقالها في مناطق محدودة ومحددة وبين أوساط بعض التجمعات والكتل السكانيه وما يتبعها أو يعبر عنها داخل بعض النخب السياسية والإجتماعية والمهنية كإمتداد لها بشكل أو بآخر، وبحكم عوامل وظرو ضاغطة ومتفاعله ليس بالقليلة في مجتمع كمجتمعنا، وهي لذلك ظاهره ليست معيبه وإن كانت غير مقبولة من منظار العمل السياسي بأفقه الوطني العام المنسجم مع الأهداف والشعارات المرفوعة التي تتجاوز أو ينبغي لها أن تتجاوز مثل هذه الحدود للفعل والتواجد ( التنظيمي ) وأمر كهذا مرهون بالتقدم الشامل في المجتمع وبأبعاده المختلفه وكذلك بقدرة قوى الحداثه ونخبها الواعية على القيام بدورها في هذا الميدان 1الصعب والمعقد بإمتداداته وجذوره الإجتماعية والتاريخية، وأيضاً بقدرة هذه القوى والنخب على تقديم النموذج المتقدم في الكفاح من أجل التحرر من قيود الجمود والنمطيه والإنتصار لبناء المجتمع العصري الحديث، وهزيمة البنى التقليدية القديمة التي تحول دون ذلك وهي الحاضنة للمخزون النفسي وبمعناه السلبي الموروث عن أزمنه وحقب تاريخيه لم تعد قائمة، ولكنها حاضرة في فعل الكبح والإعاقة لإنطلاق الحياة إلى رحاب المستقبل وآفاقه الواسعه..
 
 3- إنها تفتقد في أغلبها للطابع المنهجي المنظم بصفته الشاملة والقادر وحده على تقديم الإجابات الملحه على أسئلة الواقع حاضراً ومستقبلاً، وغياب ملحوظ للخط الفكري الصريح الذي تستند عليه هذه الرؤى والبرامج وضبابية في تناول الموضوعات والعناوين الرئيسية المفصلية، والأستغراق الممل في طرح التفاصيل وشرحها، وربما يكون ذلك مقصوداً بهدف خلط الأوراق وخلق حالة من التشويش على الرؤى والبرامج الأخرى وإحداث تشويهاً في سلامة التلقي لها عند المواطنين، ويجعل الشك والريبه عندهم قناعة تزداد إتساعاً كل يوم وبكل الرؤى والمشاريع ويتعاملون معها على أنها ( بضاعة ) يسوقها أصحابها في ( السوق ) السياسية بهدف الدعاية لأنفسهم سعياً لكسب السمعة والحصول على المنافع الشخصية أو بهدف إلحاق الأذى بالآخرين ووضع العراقيل في طريقهم، وبالنتيجة يخسر الكل تأييد الناس الواعي والداعم لمثل هذه البرامج والرؤى المفترض فيها تلبية طموحاتهم وآمالهم وجعلهم يلتفون حولها..
 
4- إن التعدد في مجال طرح الرؤى والبرامج والمبادرات السياسية وبعناوينها ومقاصدها المختلفة تشكل ظاهرة صحية من حيث المبدأ إذا ما كانت خلفياتها سليمة وأهدافها نبيلة ومرجعياتها حاضرة فاعلة على الأرض وقائمة فعلاً في ساحة الفعل السياسي، وليست مصطنعة أو هلامية، أو لابسة لجلباب غيرها أو تتوارى خلف شعارات ليست في وارد قناعاتها الأصلية، فمثلاً نجد من بينها ما تطرح قضية الجنوب وتتبني القضية الجنوبية في وثائقها أو رؤيتها السياسية، ولكنها تستحضر الماضي في نفس الوقت لتفرضه هدفاً لها على حاضر اليوم ومستقبل الغد ليصل بها الأمر في نهاية المطاف إلى طرح مشروع أو مشاريع أخرى مختلفة عن مشروعية وشرعية وواحدية القضية الجنوبية المطروحة وطنياً، وبالتالي تتضح لنا الصورة وينكشف المستور, وهو أن مثل هذه الرؤى ليست بخيارات وبدائل في إطار المشروع الجنوبي الواحد، بل مشاريع مستقلة أو شبه مستقلة وتحت عباءة القضية الجنوبية مع الأسف الشديد، وأمراً كهذا ينبغي التنبه لخطورته الجدية وتداعياتة المتعددة راهناً ومستقبلاً، ومعرفة القوى التي تقف خلفه أو تدعمه وتتبناه، أكانت داخلية أم خارجية إن كان هناك شيئاً من هذا فعلاً وبمدى الإستجابة لهذه المشاريع ونسبة المؤيدين لها وعلى أية ( شرعية ) تستند إذا كان لها شيئاً من ذلك ووفق أي معايير أو أسس تم توظيفها ؟! أو أن الأمر ليس كذلك ابداً ومبالغ به بل أن الدافع الأساسي والهدف من وراء كل ذلك هو إرباك الساحة السياسية الجنوبية وخلط الأوراق فيها وجعل الخوف من القادم أكثر رعباً من الحاضر المعاش، وبالتالي لا سبيل غير الأذعان للأمر الواقع والتسليم به وعدم الذهاب بعيداً أكثر من تصحيح الاوضاع القائمة عبر إصلاحات سياسية مزعومه يُسَوقون لها اليوم وعلى أوسع نطاق وفي الصدارة منها المباردة الخليجية، والتي أتت بناءً على طلب من السعودية وبموافقة خليجية وبمباركة أوربية وبدعم أمريكي كما يقال، لإيجاد مخرج للأزمة التي أنفجرت في صنعاء على أثر تصاعد الثورة الشعبية والشبابية بين أطراف الحكم ( سلطة ومعارضة) ولم تتطرق أو بالأصح أستثنت القضية الجنوبية ليس تجاهلاً لها كما فهم ذلك الكثير من أبناء الجنوب، بل لإدراكهم العميق كما أعتقد بأنها قضية مختلفة سياسياً وتاريخياً وبحاجة إلى معالجة مختلفة تماماً،  وليس حشرها في إطار هذه المباردة مع إغفال الإشارة إلى ذلك صراحةً ومرده لأسباب ودواعي سياسية ودبلوماسية كما نعتقد، أما الإشارة لها في الآلية التنفيذية فقد وضعت من قبل الطرف اليمني وتحديداً من قبل المشترك بهدف جذب الحراك والجنوب عموماً إلى الإنخراط فيما يسمى بمؤتمر الحوار الوطني، الذي نعتقد أن فرص نجاحه قليلة جداً، بعد أن تمت(مصادرة) الثورة وإدخالها في (حسابات) القبيلة وبعض أطراف المشترك، ناهيك عن الموقف الجنوبي الحازم بمجمله العام الذي حدد رأيه ورؤيته لهكذا حوار ..وبالعودة لموضوع الأطروحات فإن الأمر وفي هذه الحالة سيكون الفاعل هو المستفيد من وراء هكذا رؤى وإطروحات تم ويتم دسها وبخبث وبعناية فائقة في إطار المبادرات والرؤى والبرامج السياسية المتعلقة بالجنوب وبقضيته الوطنية وعبر أدوات وأصوات جنوبية, وأمر كهذا مقدورعليه وحله في متناول الجنوبيين أنفسهم لأن هناك فرقاً شاسعاً بين الأمرين..وهو ما يجب التحقق منه لا بالسكوت عليه أو التعامل السطحي مع الامور الذي لا يغوص في عمقها ويكتفي بردود الفعل غير المدروسه التي قد تخطئ هدفها وتضاعف من فداحة الخسارة التي قد تلحق الضرر بأصحاب القضية الواحدة، المتمثله بإستعادة الدولة الجنوبية وعلى كامل ترابها الوطني وبحدود الأستقلال المعروفة حين تم الإعلان عن قيامها في 30 نوفمبر 1967م، وبعد ذلك لكل حادث حديث وسيكون الفصل والحسم النهائي للشعب والشعب وحده من سيقرر مصير دولتة ونظامها السياسي القادم..
ونستنتج مما سبق الحقائق الثلاثة التالية:-
 
الأولي :-
 إن التعددية السياسية بمعناها الأوسع والأشمل في الحياة العامة للمجتمع قد أصبحت أمراً واقعاً وليس مجرد ظاهرةً عابرةً أو (موضةً) مؤقتة ولا تقليداً غير محكماً لتجارب أخرى قد لا تساعده البيئه الجديدة الحاضنة على النجاح في ذلك، مع التسليم بأنها تجربة جديدة ويشوبها القصور وكثير من التشوهات المصاحبة لها، وهي طبيعية ومقبولة نظراً لحداثة التجربة وتعقيدات الواقع وقلة الخبرة المكتسبة في هذا المجال، ومرهونة كذلك بمستوي التطور والتقدم الإجتماعي وبنضوج الوعي المستوعب لمتطلبات التعديية السياسية والفكرية ورسوخ القناعات عند الناس بضرورتهما الفاعلة في حياتهم وبدورهما الضامن لحياة سياسية وإجتماعية مستقرة ومتجددة على الدوام، ولا تزال التجربة عموماً في بداية الطريق، ولكن عجلتها قد تحركت إلى الأمام وهذا هو المهم...
 
الثانية:-
 إن حالة من التسابق والتنافس وصلت إلى درجة الأزدحام في تقديم مثل هذه البرامج والرؤى والمبادرات السياسية، وكذلك الإعلان عن المزيد من تكوين الهيئات  والتكتلات والتجمعات  السياسية المختلفة، حتى وإن غلفت بعضها الجوهر السياسي لها بعناوين وأنشطة إجتماعية، فإن حالة مثل هذه تشكل أرضية خصبة لخلط الجدي بالهزلي وتسمح بأستحضار الفوضى لمن يريد ذلك وبسهولة دون ردع من جهة أو قانون ، بل وتتيح الإمكانيات الواسعة لحالات الإختراق بأنواعها  ودرجاتها المختلفة وتحت عناوين الجنوب وقضيته، ويكون لهدف من وراء ذلك تشتيت الصف الوطني الجنوبي وخلق حالة من الأرباك المنظم والإحباط في نفوس الناس الذي يقودهم بدوره إلى اليأس والتراجع عن مشروعهم وكفاحهم السلمي الذي أختاروه طريقاً لخلاصهم وهنا يتجلى المكمن الخطر..
 لقد وقفت خلف هذا الكم من مشاريع البرامج والرؤى والمبادرات السياسية المختلفة خمس جهات رئيسية:
1- الحراك الجنوبي بفصائله المختلفة.
2- الأحزاب وبكل خلفياتها الفكرية والسياسية المتعددة.
3- التكتلات والتجمعات السياسية والإجتماعية.
4- مبادرات الأفراد وبصفاتهم الشخصية (المستقلة).
5- مجموعات سياسية أشبه بالشُلل – أو أريد لها أن تكون كذلك – ودورها (( ظاهره الجنوب وباطنه الإرباك وخلط الأوراق)).
 
  وكما سبقت لنا الإشارة فإنها جميعاً قد إنطلقت من أرضية تاريخية هي (الجنوب) وبأهداف وعناوين ورؤى ومعالاجات مختلفة وبوسائل وآليات متعددة، تؤدي بالنتيجة النهائية إلى تماثل عجيب بين بعض الاطروحات وتشابه كبير في بعضها الآخر وتناقض شديد مع هذه الرؤى المتماثلة والمتشابهة عند البقية الباقية، وهو ما يضع علامة إستفهام كبيرة حول هذا التعدد المفرط, وهذا بدوره ما يؤكد لنا بأن الجنوب الواحد مازال أهله شتى، ومع ذلك يدعي الكل منهم صواب طرحه وشرعية وجوده ويصنف منافسيه وخصومه ويضعهم في دوائر التخوين أو عدم جديتهم والشك بإخلاصهم أو عدم نضوج رؤاهم التي لا تستجيب لمتطلبات (الشارع) ومع كل ذلك مازال الجميع يتباكون عليه، ولكن من خنادق سياسية وأيديولوجية متقابلة لا تريد أن تتوحد من أجل الجنوب الواحد، ويثبت لنا ذلك أيضاً بأن عنوان القضية الجنوبية واحد ولكن القراءات مختلفة بل والأهداف كذلك مع الأسف الشديد ؟!
 
الثالثة:-
 تجلت بوضوح هشاشة الثقافة السياسية وتحديداً في الشق المتعلق بثقافة القبول بالآخر المختلف وكما هو في الواقع والمكان الذي هو عليه، لا كما نريد له أن يكون ويصبح الكل واحد في نهاية المطاف، وهو ما يعني أنك لا تقبل إلا نفسك حتى وإن حملت أكثر من إسم أو رفعت أكثر من عنوان, والدليل على ما نقول هو هذا التنافر والخصومات إلى درجة العداء أحياناً والتي تسبق عادة الصراع وتمهد له الارضية وهو ما لا ينبغي أن يحصل وتحت أي ظرف من الظروف، ونعتقد أن الجميع حريصون على تجنب ذاك بدليل أن الأمور مازالت تحت السيطرة حتى الأن، مع أن عملية الإنشقاقات والتفريخ ( للكيانات ) مازالت مستمرة مع الأسف الشديد – وهنا مبعث الخوف ومكمن الخطر الداهم – ..
 كما بينت لنا ضعف ما يسمى بـ (المجتمع المدني) الذي مازال بعيداً عن مكانته ودوره وعن طبيعته ووظائفه المناطة به، بل أن القائمين عليها والمفترض بهم النهوض بدورها تنقصهم الخبرة الكافية ومازال إستيعابهم لمضمون وجوهر عملها محدودا ولو في جانبه العملي الذي بيتعد كثيراً عن ما حوته وثائق هذه المنظمات، ناهيك عن طغيان الجانب السياسي في أنشطتها وإرتباطها بالقوى السياسية بشكل أو بآخر، بل والوقوع تحت تأثيرها المباشر وفوق هذا وذاك فالنشطاء والمنخرطين في هذه الهيئات والمنظمات منتشرين على أكثر من منظمة وهيئة وفي وقت واحد، ثم أن المجتمع المدني الذي كانت بدايته من الغرب قد ولد في ظروف مجتمعية متقدمةً جداً وعلى كل المستويات وهو نتاج لثقافة إجتماعية وسياسية حاضنة لمثل هذا الحضور الفاعل لمنظمات المجتمع المدني بصفتها الواجهة المقابلة لهيئات ومؤسسات الدولة ومستقلة عنها، ولا تخضع لغير القوانين المنظمة لحياتها الداخلية التي تكفلها الدساتير في البلدان الديمقراطية العريقة أو القريبة منها تاريخاً وثقافةً وثباتاً ورسوخاً لأركان الدولة - الأمة التي لا وجود فيها لتعبيرات ما قبل الدولة، كالقبيلة مثلاً أما في حالة مجتمعنا وبالنظر إلى خارطة المجتمع اليوم فسنجد أن الكثيرون ممن يتواجدون في هذه المنظمات هم أعضاء ملتزمون في جمعيات أهليه تأخذ الطابع القبلي والمناطقي، فتجدهم ينشطون في الصباح في هذه المنظمة أو تلك وفي المساء يثابرون وينشطون ويساهمون بفعالية في جمعية ( أبناء كذا وكذا ) وهو دليل على أن الشوط ما زال طويلاً أمامنا حتى نصل إلى المجتمع المدني الذي يصنع مثل هذه المنظمات، ويشترط قبل هذا وذاك وجود الدولة المدنية الحديثة، دولة الوطن والمواطنة المتساوية كمفهومين متلازمين- وطن ومواطن- وأكتفي بهذه الإشارات ولا أريد الذهاب إلى أبعد من ذلك.. بل توجد شلل وتكتلات كثيرة شبه منظمة وغير معلنة ومنتشره في زوايا العمل المختلفة وحياة المجتمع وفي إطار الهيئات والمنظمات الجماهيرية وداخل صفوف الأحزاب نفسها، قائمة على العصبية الجهويه والمناطقية وعلى المكانة السياسة والمهنية وبأهداف أخرى تتعلق بتحقيق المصالح الشخصية والشللية الضيقة، أو بغرض الدفاع عنها باللجوء للعصبية المناسبه لكل حالة من الحالات التي لا تستند على الحق المحمي بالقانون ولا بالإنضباط للوائح والأنظمة الداخلية للأحزاب أو الهيئات والمنظمات على مختلف مسمياتها بما فيها النقابية والمهنية ويزداد موسمها  سخونة عند التحضير للإجتماعات والمؤتمرات الإنتخابية وداخل قعاتها حيث تشهد أروقتها التصعيد في هذا السلوك الهدام للحياة المدنية المنشوده، حيث يلاحظ المرء وبوضوح شديد كيف تتحول الاستراحات الفاصلة ما بين الجلسات إلى فرصة لمزيد من التنسيق والتشاور وتوزيع الأدوار من خلال الأحاديث والمداخلات المكتوبة والشفوية، حيث تنتشر التجمعات الصغيرة وعلى شكل حلقات مستديرة يكون الحديث فيها همساً ويتم فيها تبادل للأوراق والملاحظات وغيرها، ولا توجد زاوية أو ركناً لا يخلو من ذلك، بل ويمتد إلى خارج مقر هذه الإجتماعات والمؤتمرات وفي غرفها المغلقة كذلك, وبالتالي فأن وضعاً سياسياً وإجتماعياُ وتاريخياً متداخلاً ومعقداً كهذا الذي نشهده ونتعايش معه بكل أسف, يتطلب من قوى الحداثة والتغيير وفي المقدمة منها النخب- مع تحفظي على هذا المفهوم- السياسية والفكرية والإعلامية والإكاديمية دوراً إستثنائياً ينبغي أن يكون فاعلاً ومدركاً لوظيفته التاريخية الشاقة وبكل أبعادها ..
 
(( وللحـــديـــث بـــقــــــيــــة  ))